القصة الحقيقية للرجل الذي أعطى ليوناردو دي كابريو أول أوسكار

الأحد، 20 مارس 2016

مصدر الصورة: commons.wikimedia.org

هذه قصة هيو غلاس Hugh Glass صيّاد وتاجر فراء من سكان الحدود الغربية الأمريكية frontiersman،  في سنة 1823م أثناء إحدى البعثات الإستكشافية  يتعرّض لهجوم شرس من دب جعله يبدو كالجثة الهامدة، رفاقه متيقنين من موته يأخذون سلاحه وأغراضه ويتركونه وحيد في مكان  لايخلو من المقاتلين الهنود السكان الأصليين للمنطقة، أقرب مكان يلجأ إليه يبعد حوالي 200 ميل وهو لايقوى حتى على الوقوف، قصة هذا الرجل بقيت راسخة في الذاكرة الأمريكية ، مغامرته ذكرت في كتب، إستوحت من قصتها رواية أو حتى فلم، كان آخرها فلم "العائد" The revenant بطولة الممثل الامريكي ليوناردو دي كابريو الذي حصل بفضل شخصية هيو غلاس على أول جائزة أوسكار في حياته كأفضل ممثل، الفلم كذالك حصد جائزة أفضل إخراج وقبل الأوسكار حصد جوائز أخرى.

لكن تجدر الإشارة أن القصة الحقيقية لهيو غلاس تختلف في تفاصيل مهمة مع ماجاء في فلم "العائد"، بعض من هذه التفاصيل فضّلت الإشارة إليها، كما أنه لاأحد يعلم القصة الحقيقة بالفعل، فالحقيقة يعلمها الله وحده، والناس يحبون نسج الأساطير، هيو غلاس لم يترك مذكراته رغم أنه هناك حديث عن رسالة قام بإرسالها غلاس إلى والدي رفيقه الذي قضى عليه هنود الأريكارا Arikara لينعي إليهم وفاة إبنهم، الرسالة المزعومة موجودة ويتم عرضها على الناس إلى الأن.


بالنسبة لصورة هيو غلاس لم أجد إلّا رسم للرجل سنة 1830م يتم تداوله، تجدونه على هذه الصفحة من صحيفة ديلي تيليغراف، أترككم الأن مع جكاية أحد الابطال الفولكلوريين في الثقافة الامريكية.



حوالي سنة 1783م في بنسيلفانيا الامريكية ومن والدين أيرلنديين - سكوتلنديين كانا قد هاجرا من أولسترUlster شمال أيرلندا ولد هيو غلاس، لايعرف الكثير عن حياة غلاس المتقدمة إلا أنه في سنة 1816م عند سواحل تكساس وقع في قبضة مجموعة من القراصنة الذين كان يقودهم جون لافيت الفرنسي -الامريكي هذا القرصان كان ينشط في خليج المكسيك، أرغم بعد ذالك غلاس على العمل معهم لمدة سنتين حتى تمكّن من الفراربالقفز من القارب والسباحة نحو شواطيء جالفيستون، قيل أنه بعد ذالك وقع في أسر قبيلة الباوني Pawnees الهنود الامريكيين، يعيش بعد ذالك بينهم سنوات وربما تزوج إحدى نسائهم، في سنة 1821م ينتقل إلى سانت لويس مع مجموعة من ممثلي قبيلة الباوني تم إستدعائهم للقاء سلطات الولايات المتحدة.

وفي سنة 1822 م يستجيب غلاس لإعلان يطلب متطوعين من أجل بعثة إستكشافية متعلقة بصيد الفراء، صاحب الإعلان الجنرال ويليام أشلي، وهو يطلب مئة رجل من أجل هذه البعثة لصعود نهر ميسوري، في هذه الفترة الحكومة الامريكية كانت تستأجر الأشخاص للقيام ببعثات،هؤلاء الأشخاص الواحد منهم يطلق عليه إسم رجل الجبل mountain man، مهمته سواء إستكشاف المناطق خارج الحدود التي تسطير عليها الحكومة الامريكية، قتل الدببة، أوأمور أخرى، غلاس كان واحد من رجال الجبل، هوبلاشك يصلح لهذه المهام رجل من أصول إيرلندية وتربّى لدى الهنود.


من بداية الرحلة لاحظ الرجال صلابة غلاس ومهارته كصياد فراء، وفي شهر جوان 1823م يتعرضون لهجوم من مقاتلي قبيلة هنود الأريكارا فيصاب غلاس بطلق في ساقه، خشية التعرض لمزيد من الهجمات في مسارهم نحو أعلى نهر ميسوري بعض أفراد المجموعة بما فيهم غلاس يقررون التحرك برا بإتجاه نهر يلوستون.

في شهر أوت 1823م بجانب تفرّع نهر "جراند ريفر" بداكوتا الجنوبية  وبينما كان غلاس منهمكا في البحث عن طريدة لتعويض النقص في  المؤنة فاجأ أنثى دب كانت مع إثنين من صغارها، أنثى الدب المنزعجة هاجمته وقبل أن يطلق عليها النار تتمكن من طرحه أرضا، يدافع غلاس عن نفسه بطعن الدب بالسكين لأكثر من مرة إلّا أن الدب يستمر في تمزيق لحمه بمخابله القوية، بمساعدة إثنين من رفاقه هبّوا لنجدته يتمكّن من قتل الدب، بالنظر إلى الحالة المزرية التي كان عليها غلاس أدرك قائد الرحلة بأن الموت سيكون مصيره المحتوم لهذا قرر ترك رجلين معه مهمتهما دفن غلاس وفق الطقوس المسيحية بعد أن يلفظ أنفاسه الآخيرة، الشابان اللّذان بقيا مع غلاس هما بريدج 19سنة وفيتزجيرالد 23 سنة، بينما أكمل أفراد الفريق طريقهم بدأ رفيقيه في تجهيز القبر، لاحقا إدّعى الشابان بأن مقاتلي هنود الأريكارا هجموا عليهما مما أضطرهم للتوقف عن حفر القبر والهرب بعد ان أخذا السلاح الناري وسكين غلاس مع أغراض أخرى، كما أكدا للقائد بأن غلاس قد مات، هناك رواية تقول بأن الرجلان بقيا مع غلاس لمدة حوالي أسبوع، وبعد أن أدركا بأنه لم يمت وأن باقي الفريق قد إبتعد عنهم كثيرا قررا تركه في حفرة ضحلة مغطى بجلد دب، أما بالنسبة للجزأ في فلم "العائد" المتعلّق بقتل إبنه من طرف الرجلين فهذا محض خيال، حتى أنه لايوجد مايثبت أن غلاس لديه إبن بالأساس، كما أن واقعة هجوم الدب حدثت في فصل الصيف وليس فصل الشتاء كما في الفلم.

رغم الحالة التي كان عليها غلاس إلا أنه أستفاق من غيبوبته، فوجد نفسه وحيدا مع جراحه ومجردا من سلاحه وأي شيء ممكن أن يساعده على إنقاذ نفسه، أدرك أن رفاقه تخلّوا عنه وهو لايستطيع حتى الوقوف، فإحدى ساقيه مكسورة وظهره ممزق بجروح عميقة، أقرب مكان يمكن أن يلجأ إليه يبعد على مسافة تتجاوز 200 ميل -320 كم- أين يقع حصن كيوا Fort Kiowa على نهر ميسوري، وهو مركزأو محطة خصصت لتجارة الفراء، حاول غلاس تسوية عظم ساقه المكسورة ولفّ حول نفسه جلد الدب الذي تركه رفاقه وبدأ بالزحف على بطنه، حتى يتفادى إصابته بالغنغرينا وضع ظهره المجروح على جذع شجرة في مرحلة من التعفّن من أجل أن تأكل اليرقات اللحم الميت حول جراحه -هل بالفعل هذا الأمر ممكن؟، أقصد إستخدام جذع متعفن للعلاج-، لم يكن يدرك حينها وهو على الحال التي كان عليها يزحف  أنه بدأ رحلة ستدخله التاريخ ، غلاس يزحف بجراح حقيقية وليوناردو  يأخذ الأوسكار والأموال عن تمثيله الدور، هذه هي الحياة.


يعلم غلاس  جيدا بأنه لو يتتبع نهر" الجراند ريفر"  فسيلتقي بالهنود المعادين لهذا قرر أن يزحف بإتجاه نهر شايان Cheyenne وإعتمد على تل الرعد Thunder Butt من أجل الإستدلال على مسار رحلته ، كان  يتغذى على مايجده في طريقه من توت بري وجذور حتى أنه هناك رواية تقول بأنه تمكّن في إحدى المرات من إبعاد ذئبين عن جاموس صغير كانا يلتهمانه ليأكل بعدها من لحمه النيء، كما أنه إلتقى في طريقه ببعض السكان الأصليين من الهنود الغير معادين، هؤلاء قاموا بخياطة جلد دب حول موضع جراحه وقدموا له بعض الطعام والأسلحة ليكمل رحلته، عندما وصل إلى نهر "شايان" صنع لنفسه طوف بدائي ونزل به في النهر ليجرفه التيار النازل نحو حصن "كيوا" مبلغ نجاته، إستغرقت رحلة غلاس التي بدأها بالزحف على بطنه ستتة أسابيع.


في الأسفل خريطة توضّح المسار الذي تبعه غلاس للوصول إلى حصن كيوا:

مصدر الصورة: Wikimedia

بعد فترة راحة و نقاهة طويلة، يقولون أن غلاس بدأ في  البحث عن الشابين  اللذان تخليا عنه وأخذا سلاحه بدافع الإنتقام ، لهذا الغرض توجه نحو حصن هنري  على نهر يلوستون، عند وصوله للحصن وجده مهجور ووجد مذكرة تشير بأن إدورد هنري والشركة -الشركة هنا أعتقد المقصود بها شركة تجارة الفراء- قد إنتقلوا إلى معسكرجديد عند مصب نهر "بيج هورن" Bighorn، عند الوصول إلى المكان وجد هناك بريدج، لكن غلاس يعفو عنه لصغر سنه، يعود غلاس بعد ذالك للإنضمام إلى شركة أشلي، ثم تصله أخبار عن "فيتزجيرالد" بأنه قد إلتحق بالجيش الامريكي وبأنه يتواجد عند حصن أتكينسون، ينتقل بالفعل إلى المكان فيعثر عليه ويسترد من عنده بندقيته المسروقة، لكن دون أن يتعرّض لحياته ذالك لأن مصيره سيكون الموت كعقوبة لقتله جندي من الجيش الامريكي.


غلاس لم يكمل عمله لحساب شركة الجنرال أشلي، بل عاد إلى الحدود ليعمل لحسابه الخاص كصياد وتاجر فراء، ثم عمل كصياد لحساب حامية الجيش الامريكي في حصن الاتحاد Fort Union بالقرب من ويلستون في داكوتا الشمالية.


نهاية غلاس كانت على يد هنود الأريكارا كغيره من رجال الجبل، كان ذالك في بداية ربيع سنة 1833م عند نهر يلوستون، هلك معه  رفيقين من صيادي الفراء.





الصورة في الأسفل  تمثّل محارب من هنود الأريكارا Arikara بين سنتي 1840م و 1843م، يعرفونا أيضا بإسم السانيش Sahnish السكان الأصليين لمنطقة داكوتا الشمالية.
صاحب الصورة: karl bodmer 1809-1893 المصدر: wikimedia

المصادر:

en.wikipedia.org
fr.wikipedia.org


إقرأ أيضا على مدونة الحياة:   تائهين في المحيط الهادي، القصة حقيقية.




0 التعليقات: