في الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في معركة مونتي كاسينو بإيطاليا كان هناك دب برتبة عريف يساعد جنود من الفيلق الثاني البولندي في نقل صناديق الذخيرة، هذا الدب إسمه فويتيك بالبولندية يكتب إسمه هكذا Wojtek وينطق بالانجليزية Voytek وهذه هي قصته.
مصدر كل الصورالتي زوّد بها هذا الموضوع: Imperial War Museum Wikimedia
في الثامن من أفريل سنة 1942 وعلى جبال ألبرز الإيرانية إلتقى لاجئون بولنديون -أطلق سراحهم السوفيات من مخيمات سيبيريا فتوجهوا نحو الشرق الأوسط، فبلدهم بولندا ترضخ تحت الاحتلال- قضوا ليلتهم على هذا الجبل بمجموعة من الشباب الإيرانيين أحد هؤلاء الشبان كان يحمل بين ذراعيه دب صغير أسمر، مقابل بعض المال حصل البولنديون على هذا الحيوان، وواحدة من الفتيات البولنديات عطفت على هذا الدب الصغيرالذي فقد أمه بعد أن قتلها الصيادون، إهتمت برعايته لكن ليس لمدة طويلة فقد كان هذا الحيوان يثير إزعاج زملائها، يتجول في الليل ويمشي فوق رؤوسهم بأقدامه التي لاتزال بعد صغيرة، هكذا طلبوا منها التخلص منه لكنها رفضت بشدة، وطلبت منهم إيجاد خيار آخر، وهذا ما تحقق بالفعل فقد تم تقديم الدب كهدية لأحد الجنرالات البولنديين لتبدأ مرحلة جديدة من حياة هذا الدب المنحدر من سلالة الدب السوري البني، رافق الجنود البولنديين وهم يرتحلون من مكان إلى آخر منذ أن كان صغيركالجرو يقدمون له الحليب في الزجاجات إلى أن أصبح أكبر منهم حجما، ففي نفس السنة أي سنة 1942 إستقر معهم في فلسطين، تعلّق الجنود بهذا الدب ليس فقط بسبب منظره الذي لايقاوم ولكن لأنه كان مثلهم يتيم وبعيد عن موطنه الأصلي، بعد فلسطين تم إرسال الفيلق الثاني البولندي إلى العراق، وفويتيك رافقهم إلى هناك، في هذا البلد الجو كان حار جدا، من الساعة العاشرة صباحا إلى غاية الساعة الخامسة مساءا كان الجنود تحت خيامهم مستلقين ويفرغون الماء على أجسادهم لدفع الحر، أما فويتيك فقد صنعوا له حفرة وضعوه فيها وصبوا عليه الماء، كان يقضي وقت طويل داخل هذه البركة، ذكر أحد الجنود أنه إلتقى فويتيك في مدينة كركوك العراقية سنة 1943، بعد العراق إنتقل فويتيك مع الجنود إلى مصر، كان يساعد ببعض المهام مع الجنود كالحراسة الليلية، كما أظهر حبا لمرافقة البشر.
13 فيفري 1944، جميع وحدات الفيلق الثاني البولندي بما فيها سرية إمدادات المدفعية الثانية والعشرون تستعد للترحيل إلى إيطاليا عبر ميناء الإسكندرية بعد أن قضوا مدة السنتين في الشرق الأوسط، المشكلة أنه ممنوع نقل الحيوانات في هذه الرحلة، ومن الصعب على الجنود التخلي عن فويتيك والأمر كذالك لن يكون سهل على الدب، المشرف على مراقبة قوائم الأفراد الذين سيكونون على متن الباخرة في هذه الرحلة إستعرض أمامه كل الأفراد، كل من على القائمة حضر أمام هذا المشرف إلا إسم واحد، هو العريف فويتيك، فإستفسر عن هذا الجندي الغائب مطالبا بحضوره، تم تلبية طلبه ، وكانت المفاجئة الغير متوقعة، ففويتيك في الحقيقة لم يكن إلا حيوان معروف على أنه من الحيوانات المفترسة، وهو أمامه الأن كجندي برتبة عريف يملك دفتره العسكري الخاص ورقمه التسلسلي، رفض نقل الدب في هذه الرحلة، ولكن بعد إتصال هاتفي مع القيادة العسكرية العليا، تم الموافقة على نقل فويتيك إلى إيطاليا مع الجنود، الجنرال أندرسون قائد الفيلق الثاني البولندي هو الذي كان قد منح رتبة عريف لهذا الدب ليكون بذالك بشكل رسمي تابع للفيلق الثاني.
في معركة مونتي كاسينو كانت مهمة سَرية إمدادات سلاح المدفعية الثانية والعشرون التابعة للفيلق الثاني البولندي التمويل بالغذاء،الذخيرة والوقود، كان على الجنود تحميل صناديق الذخيرة الثقيلة على الشاحنات، ومن وقت لآخر كانت فويتيك يقدم المساعدة لهم بحمل صناديق الذخيرة، ذكر أحد الجنود في شهادته أن الدب كان يحمل صندوق من الذخيرة لايقدر على حمله إلا ثلاثة أو أربعة من الرجال ويضعها بنفسه في الشاحنة، لم يوضع الدب في الخطوط الساخنة للحرب حتى لا يكون معرّض لنيران الطرف الآخر، فحسب الشهادات التي قدمت كان البولنديون حريصون على عودة الدب معهم إلى بولندا سالما معافى، أصبح الدب شعار السرية وأصبحت صورته فوق كل شاحنة، صورة دب يحمل قذيفة مدفعية، لهذا الحد بلغ تعلق الجنود البولنديون بفويتيك، الذي كان يقلدهم في الكثير من الأشياء التي يقومون بها، حتى العادات السيئة، فقد كان يشرب البيرة -خمر- ويدخن السجائر هذا إذا لم يبتلعها كاملة، كما كان يشاركهم الرقص و يلعب مع الجنود بمصارعتهم بدون أن يؤذيهم بمخالبه، كان مسالما وحبوبا هذا ما جعلهم يتعلقون به أكثر.
إنتهت معركة مونتي كاسينو بإنتصار جيش الحلفاء على القوات الألمانية، قبل أن يغادر الجنود إيطاليا قضوا فترة راحة على ضفاف البحر الأدرياتيكي وكان هذا في صيف سنة 1944، يذكر أحد الجنود بأنه في أحد الايام كن الدب جالس في المكان المخصص لقائد الشاحنة العسكرية واضعا أطرافه الأمامية على المقود، فشاهد على بعد 15 متر شاطيء البحر الادرياتيكي، فنزل من الشاحنة يجري نحو الشاطيء الذي كان مليء بالفتيات والشباب الإيطاليين، بمجرد مشاهدتهم الدب هرعوا هاربين من الفزع، ليطمئنهم الجنود بأن الدب مسالم ولايشكّل أي خطر فقط هو يحب السباحة.
في 26 سبتمبر 1944 يغادر الجنود إيطاليا ليتم ترحيلهم نحو أسكتلندا، في هذه المرة لم تواجههم أي مشكلة في ترحيل فويتيك معهم، إستمرت إقامة فويتيك مع الجنود البولنديين في مخيم وينفيلد في أستكتلندا، والكثير من الناس كانوا يزورون المخيم لمشاهدة الدب البولندي الجندي، سنة 1947 تقرر عودة الجنود نحو بولندا لكن الظروف السياسية التي كانت تعيشها بولندا لم تسمح بنقل فويتيك معهم هذه المرة، وصل الجميع إلى قرار تسليم الدب لحديقة حيوانات بأدنبرة مع شرط إستعادة الدب في حالة تحرر بولندا، فويتيك لم يعد أبدا إلى بولندا وأكمل باقي حياته في هذه الحديقة الأسكتلندية إلى أن فارق الحياة سنة 1963 م وعمره 21 سنة.
فويتيك يتصارع مع أحد الجنود، خلال فترة مرافقته للجنود البولنديين لم يسبق لهذا الدب أن تعرض بالأذى لأحد منهم، هذا ما تستمعه من شهادات أحد الجنود في الفلم الوثائقي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق